الطائف... نصّ ديمقراطي في دولة الطوائف
الدكتور رامي سعدالله فنج
EYE Contact لموقع
منذ اتفاق الطائف عام 1989، لم يتغير في لبنان سوى الشكل. النصّ الذي أراد بناء دولة ديمقراطية برلمانية، لا يزال معلّقاً بين الورق والواقع. فبينما أعلن الاتفاق أن الشعب هو مصدر السلطات، ظلّ اللبنانيون أسرى سلطاتٍ أخرى: الطوائف والعائلات والمال السياسي
الطائف، في جوهره، حاول تصحيح ميزان السلطة بعد الحرب الأهلية. أعاد التوازن بين المسلمين والمسيحيين، لكنه لم يلغِ الطائفية، بل شرعنها مؤقتاً على أن تُلغى لاحقاً. المؤقت صار دائماً، والدستور الذي بشّر بإلغاء الطائفية السياسية تحوّل إلى مظلة لتكريسها
منذ أكثر من ثلاثين عاماً، لم تُطرح بجدّية أي خطوة لإنشاء مجلس شيوخ أو انتخاب مجلس نواب خارج القيد الطائفي كما نصّ الاتفاق. بالعكس، تُكرّس القوانين الانتخابية الانقسام المذهبي وتحوّله إلى قاعدة للعمل السياسي. بدل أن تكون الانتخابات مساحة تنافسٍ على البرامج والمشاريع، أصبحت ساحةً لتجديد الزعامات، وتوريث المقاعد من الآباء إلى الأبناء
في لبنان، لا ينتخب الناس ممثليهم على أساسٍ وطني، بل على أساسٍ طائفي أو عائلي. المقعد النيابي يُحجز مسبقاً باسم “البيت السياسي”، واللوائح تُبنى في الصالونات لا في الشوارع. الحرية التي يُفاخر بها اللبنانيون فقدت معناها حين تحوّلت من حرية المواطن إلى حرية الزعيم في أن يورّث ويفاوض ويُقصي
الديمقراطية ليست انتخاباتٍ شكلية ولا تقاس بعدد اللوائح، بل بمدى حرية الاختيار ومساواة المواطنين أمام الدولة. في لبنان، لا مساواة بين من يحتمي بطائفة وبين من لا ظهر له، ولا حرية حقيقية في ظلّ زعماء يمتلكون وسائل الإعلام والمال والأجهزة
الطائف أعطى لبنان فرصة ليؤسس دولة مدنية، لكن الطبقة السياسية حولته إلى عقد تقاسم نفوذ. فكل طائفة تقرأ في الطائف ما يخدم مصالحها، وتنسى أن روحه كانت العبور نحو المواطنة لا نحو المزيد من المحاصصة
اليوم، حين يُقال إن الحلّ في “تطبيق الطائف”، لا بد من التذكير بأن التطبيق لا يعني تثبيت ما هو قائم، بل تنفيذ ما لم يُنفّذ: إلغاء الطائفية السياسية، اعتماد قانون انتخاب وطني، وإطلاق الحياة الحزبية خارج القيد المذهبي. عندها فقط يمكن أن ننتقل من دولة الطوائف إلى جمهورية المواطنين
لبنان لا تنقصه النصوص، بل الإرادة. فالديمقراطية لا تُكتب في الاتفاقات، بل تُمارس في السلوك العام، في الإعلام، في القضاء، وفي صناديق الاقتراع حين تتحرر من الخوف والعصبية
الطائف كان وعداً بدولة حديثة، لكننا اخترنا أن نحيا في ماضيه بدل أن نبني مستقبله