· مقالات

حين تتحول الســيـاســة من إرادة وإدارة ومأسـسة إلى منافسـة ومشـاكسـة

بقلم: د. عبدالرزاق القرحاني

EYE Contact لموقع

السياسة "في الأصل" فنّ إدارة الشأن العام، وأداة لتحقيق التوازن بين المصالح المتباينة بشكل مستدام، وضمان سير المؤسسات بسلاسة نحو خدمة المواطن بكل إقدام

غير أنّ السياسة حين تفقد جوهرها الأخلاقي، وتتحول إلى ساحة تنافس شخصي، ثم إلى مشاكسة عبثية فإنّها تجرّ المجتمع بأسره إلى حالة من الشلل والتفكك على المستوى السياسي والإداري والاجتماعي

عندما تغيب الرؤية والرسالة والأهداف عند الساسة

تصبح السياسة مرادفاً للنزاع والصراع، والأحزاب والتيارات تجمعات تختلف فيما بينها على المكاسب التي تشترى وتباع، وليس على الحقوق والبرامج التنموية، التي يجب ان تكون رسالة وهدف كل راع وتتحول البرلمانات إلى منابر للخطابة لا للتشريع والرقابة، وتغدو الحكومات رهينة التوازنات الهشّة لا السياسات الراسخة

وتدخل البلاد في دورة انقسامات عامودية وأفقية، وتُضعف مكانتها الداخلية والخارجية، وتجعلها عرضة للابتزازات الإقليمية والدولية

وحين تنعكس الخصومات السياسية على الأداء الإداري، تتوقف عجلة المؤسسات. كل قرار يصبح موضع شكّ، وكل مشروع موضع تجاذب، وكل تعيين أو ترقية مرهون بالولاءات لا بالكفاءات

اما الإدارة العامة، التي يُفترض أن تكون العمود الفقري للدولة، تُصاب بالشلل، وتتحوّل من ميدان لخدمة الصالح العام، إلى معركة سياسية تحدد فيها الأحجام

والنتيجة: بيروقراطية متضخمة وقرارات متأخرة وخدمات متدهورة يشعر بها المواطن يومياً بكل حرقة

حين تتحول السياسة إلى مشاكسة وصراع دائم يفتقد اصول المنافسة وتفقد الشعوب ثقتها بكل ما هو عام بإشراف وإدارة الساسة

ويتراجع الانتماء الوطني لصالح العصبيات المناطقية و الطائفية و الحزبية، ويغيب الحسّ الجماعي بالمسار والمصير الواحد في كل قضية

ويتسرب الإحباط إلى جيل الشباب، وتهاجر طاقاته إلى الخارج أو إلى التهميش والغياب

وتنمو لغة الشتائم والتحريض والكراهية، لتحلّ محل الحوار والاحترام المتبادل، الذي هو أساس استقرار أي دولة ونسيج اجتماعي

إن ما بين المنافسة والمشاكسة… خيط رفيع

فإذا كانت الديمقراطية تقوم على المنافسة، لكنّها بلا شك تنهار بالمشاكسة

وإذا كانت المنافسة تبني الأفكار، فالمشاكسة تهدم المؤسسات والديار

واذا كانت المنافسة الشريفة تدفع الدولة إلى التطور عبر الرقابة والمحاسبة،. فإن المشاكسة المستمرة تشلّها عبر التعطيل والتشهير في كل مناسبة

إذا لم يدرك الساسة أن الاختلاف لا يعني العداء، وأن المعارضة ليست عرقلة بل تصويباً وبناء، فإنّ الأوطان ستظل تدور في حلقة مفرغة من الشلل والانقسام

فالسياسة الحقيقية هي التي ترفع مستوى التفاهم لا مستوى الضجيج، وتُدار بالعقل لا بالغرور، وبالنية الصادقة لا بالخصومة العقيمة