Return to site
· مقالات,على مدار الساعة

لبنان بين ضعف الدولة وتلاشي الأمل: من حافة الهاوية إلى عمقها

الدكتورة سمر أدهم

EYE Contact لموقع

في ظلّ ما يشهده لبنان اليوم، يبدو المشهد السياسي والاقتصادي وكأنه لوحة قاتمة تتراكم فوقها طبقات من الأزمات، بلا أفق واضح ولا إرادة حقيقية للإنقاذ. فالحكومة الحالية تقف عاجزة أمام الانهيار المتسارع، والقرار الوطني غائب أو مغيَّب وسط حسابات داخلية ضيقة وولاءات خارجية متشابكة، ما يجعلها أقرب إلى متفرّج على مأساة وطن منه إلى سلطة حاكمة تمتلك زمام المبادرة

لقد أصبح ضعف الحكومة عنوانًا عريضًا للمرحلة الراهنة. فهي لا تملك الجرأة على اتخاذ قرارات حاسمة، ولا تملك الرؤية الواضحة للخروج من الكارثة الاقتصادية والاجتماعية، ناهيك عن غياب أي مؤشرات على مشروع وطني جامع. في المقابل، الانقسام الحاد بين القوى السياسية يزداد عمقًا، حيث تتحول كل أزمة إلى ساحة تصفية حسابات، وتغيب المصلحة الوطنية لصالح أجندات شخصية أو حزبية

أما الدور الخارجي، فقد تجاوز حدود التأثير السياسي ليصبح عاملًا محددًا في مسار البلاد. فالتدخلات الإقليمية والدولية لا تكتفي بتغذية الانقسامات، بل تعيد تشكيل موازين القوى الداخلية وفق مصالحها، ما أدى إلى شلل في مؤسسات الدولة وتراجع دورها الطبيعي. هذا الواقع انعكس بشكل مباشر على الأمن، حيث يسود التوتر الدائم، وعلى الاقتصاد الذي يترنح تحت وطأة الانهيار، وعلى المجتمع الذي يزداد فقرًا وبؤسًا

الشعب اللبناني، ولا سيما الجيل الجديد، فقد ثقته بكل الطبقة السياسية. البطالة في ارتفاع مستمر، والهجرة أصبحت الحلم الوحيد المتاح أمام آلاف الشباب الباحثين عن حياة كريمة خارج حدود الوطن. لقد تحولت البلاد من أرض الفرص والطموحات إلى سجنٍ كبيرٍ يضيق على أبنائه يومًا بعد يوم

ولا يمكن الحديث عن هذا الانهيار دون تحميل المسؤولية للحكومات المتعاقبة، التي بنت حكمها على التناحر السياسي والمحاصصة بدل بناء الدولة. هذه الطبقة السياسية، التي تتناوب على الفشل، أوصلت البلاد إلى حافة الانفجار. أما الحكومة الحالية، فقد زادت الطين بلّة بعجزها عن طرح خطة إنقاذ حقيقية إلى الآن، ومحاولتها صرف النظر عن فشلها بأمور أخرى، في حين ينهار كل شيء من حولها

لقد كنا نقول إن لبنان على حافة الهاوية، لكنه اليوم غارق في عمقها. السؤال الذي يفرض نفسه بإلحاح: ما هو الحل؟ من الواضح أن الحلول الترقيعية لم تعد تجدي، وأن الشعب لم يعد يكتفي بوعود الإصلاح الوهمية. المطلوب اليوم رؤية جذرية، قيادة جريئة، وإرادة سياسية صلبة تُعيد بناء الدولة على أسس جديدة: دولة القانون، ودولة المؤسسات، لا دولة الزعامات والمصالح

لكنّ هذه الرؤية لن تأتي من الطبقة السياسية نفسها التي صنعت الأزمة. الأمل لم يعد معقودًا على عهد جديد أو حكومة جديدة، بل على وعي الناس وضغط الشارع لإحداث التغيير الحقيقي. فلبنان لم يعد بحاجة إلى إدارة أزمة، بل إلى إنقاذ وطن. وبين ضعف الحكومة وتلاشي الأمل، يقف الشعب وحيدًا في مواجهة قدر فُرض عليه… لكنه لا يزال يملك الحق في تغييره

ورغم هذا المشهد القاتم، يبقى في لبنان ما يستحق الحياة. فالأمل، وإن تراجع، لم يمت بعد في قلوب اللبنانيين الذين أثبتوا عبر التاريخ قدرتهم على النهوض من تحت الركام. ربما يكون الخلاص بيد الجيل الجديد، ذلك الجيل الذي تعب من الوعود وبدأ يدرك أن التغيير لا يُمنح، بل يُصنع بالإرادة والوعي والعمل المشترك. الأمل ليس ترفاً، بل ضرورة وجودية في وطنٍ لا يعيش إلا بالإصرار على البقاء. ولعلّ هذا الإصرار هو آخر ما تبقّى لنا… وأقواه